ثقافة

زخرفة الحلي بالطلاء الزجاجي.. تقنية متفردة لصائغي الفضة بتزنيت

تعرف مدينة تزنيت بكونها عاصمة الفضة، وأكبر سوق وطني يشتهر بأصالة وجودة المنتوج التقليدي المصوغ من هذه المادة الخام (النقرة)، حيث برعت أنامل الصناع التقليديين في تطويعها وتحويلها إلى أشكال إبداعية من خواتم وأساور ودماليج وغيرها من الحلي والمجوهرات.

وتزخر قيساريات تزنيت بتشكيلات متنوعة من المصوغات الفضية، التي تمزج فيها الخطوط والأشكال الهندسية والرموز في تصاميم بسيطة وعصرية من بين رموز كثيرة تزخر بها الثقافة المغربية، كالتي توجد في زخارف الزليج والفسيفساء.

ومن أجل إضفاء الجمالية وأشكال الزينة على هذه المنتوجات، الحاملة لقيم فنية وإبداعية أصيلة، يستعمل الصناع والصاغة مجموعة من التقنيات التي تستوحي أساليبها وأشكالها وتصاميمها من التراث المحلي، وتستحضر المقومات الفنية والرموز الثقافية متعددة الروافد.

ومن بين هذه التقنيات، توجد تقنية الطلاء الزجاجي (المينا)، التي سجلتها لجنة التراث في العالم الإسلامي بـ”الإيسيسكو”، مؤخرا، باسم المغرب، ضمن قائمتها الخاصة بالتراث في العالم الإسلامي.

وتعتبر هذه التقنية نشاطا حرفيا معقدا للغاية، يتطلب من ممارسيه معرفة متعمقة في العديد من مجالات صياغة وإنتاج الحلي، إذ من الضروري أن يتقن أي حرفي التقنيات الرئيسية في علم المعادن، وعلى وجه الخصوص الصهر، والقولبة، والطرق، والقطع، وأعمال التشطيب (الصقل والتلميع) المختلفة، بشكل عام، بالإضافة إلى معرفة تقنيات محددة تتعلق بإعداد وتطبيق الطلاء الزجاجي على المصوغات، بشكل خاص.

كما تتطلب هذه العملية مهارة جيدة، خاصة خلال مرحلة الصهر حتى لا تتسبب في ذوبان الأسلاك الفضية الرقيقة التي تشكل الأقسام والأشكال الهندسية المتبثة على المصوغات.

ولإنشاء زخرفة بتقنية الطلاء الزجاجي، يقوم الحرفي أولا بقص شرائح الأسلاك الفضية، التي ستشكل الفواصل وتحدد الأسطح المراد صقلها بالزجاج المسحوق، ثم يلحمها على السطح المعد للزخرفة من أجل إنشاء حواجز تتلاءم معه.

ويتم صنع هذا الطلاء، في الأصل، من حبات زجاجية ملونة صغيرة الحجم، ثم تحويلها إلى مسحوق، حيث يتم تطبيق مساحيق ألوان مختلفة على سطح الزينة بين أقسام المنتوج الفضي، دون استخدام مواد كيميائية صناعية.

كما يتم الحصول على الطلاء بدق خليط مجموعة من الأحجار الملونة ووضعه على الأشكال المرسومة مسبقا على الحلي بخيوط من الفضة، ويتم تذويب هذه الألوان باستخدام النار لتلتصق بالمعدن.

وفي مرحلة أخيرة، يقوم الصائغ أو الحرفي بإذابة “المينا” (الطلاء الزجاجي الذي يتم صهره في أفران) للحصول على سطح أملس ولامع للغاية، بحيث تتيح هذه التقنية تعزيز اللمعان المعدني للفضة بإضافة ألوان الطلاء، وهي الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق.

ويقوم الصائغ نفسه بصهر المعدن، وطرق وقطع الألواح المعدنية، وإعداد شرائح الأسلاك الفضية التي ستشكل الأقسام الصغيرة، ثم إعداد وتطبيق الطلاء (المينا) بألوان مختلفة، قبل بيعها للحرفيين الذين يعرضونها للبيع.

وبهذا الخصوص، قال رئيس الغرفة الجهوية للصناعة التقليدية سوس ماسة، عبد الحق أرخاوي، إن هذه التقنية، التي تعرف محليا بـ”ليماياج” ويشتغل عليها الصناع بالإقليم منذ قديم الزمان، تعكس مزيجا من ألوان الزجاج الأخضر والأصفر والأزرق والأحمر (وأحيانا الأبيض)، مشيرا إلى أنه يتم توظيفها في صياغة وتزيين مجموعة من الحلي والأطقم الفضية بما في ذلك الخواتم، و”تاكوست”، و”الدواويح”، و”إسرسيل” التي توضع على الرأس، والتي تعبر عن الهوية المغربية والروافد الأمازيغية بامتياز.

وأضاف، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هناك مجموعة من التقنيات الأخرى التي يجري الاشتغال عليها مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والـ”إيسيسكو”، من أجل تصنيفها تراثا لاماديا وحمايتها من الاندثار، كتقنية النقش على الفضة، والنييل الأسود، باعتبارها تقنيات متجذرة في ممارسات وإنتاج الحلي والمجوهرات المحلية.

وخلص المسؤول الجهوي، إلى أن الفاعلين في هذا القطاع، يشتغلون على تكوين الصناع التقليديين من أجل ضمان جيل جديد من الحرفيين يأخذ المشعل، ويعمل من أجل المحافظة على هذا التراث اللامادي، حتى يستعيد قيمته التي ستسمح له بالاستمرار في البقاء، وحمايته من الانقراض.

أما ابراهيم أحندوز، وهو صائغ يعمل في هذا المجال، فيقول إن هذه التقنية قديمة، توارثها الصناع التقليديون عن أجدادهم، ولا يزال الحرفيون يستخدمونها لتزيين الحلي والمجوهرات، مشيرا إلى أنهم عملوا على تطويرها حتى باتت تستخدم في المصوغات الصغيرة مثل القلادات والخواتم والدماليج.

وأوضح الحرفي ، في تصريح مماثل، أن هذا التطور الذي خضعت له على مستوى نوعية الحلي التي تطبق فيها، ساهم بشكل كبير في الإقبال عليها سواء من طرف الزوار المغاربة أو السياح الأجانب.

وعلى مر التاريخ، شكلت تقنية الطلاء الزجاجي، علامة تجارية مسجلة للحرفيين في إقليم تزنيت، فهي تضفي على المنتجات التقليدية لمسة فريدة، نادرا ما تجدها في زخارف مراكز صياغة المجوهرات الأخرى بالمغرب أو العالم، كما أن ارتداء الحلي المزينة بهذه التقنية يعد وسيلة رمزية لإظهار الارتباط بالهوية الثقافية، وبفضلها يمكن التعرف على المجوهرات المحلية، الأمر الذي يفسر سبب ارتفاع الطلب عليها، وجاذبيتها أيضا، لجمالها وبراعة الأنامل التي أنتجتها بدقة متناهية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى