النائبة نعيمة الفتحاوي تدعو إلى تعزيز الانخراط البرلماني في مواجهة تحديات المناخ

مداخلة النائبة نعيمة الفتحاوي
في اللقاء التواصلي حول العمل من أجل المناخ في المغرب
المنظم في إطار برنامج التعاون الجديد بين مجلس النواب ومؤسسة وستمنستر للديموقراطية
حول تعزيز الانخراط البرلماني في مجال العمل من أجل المناخ بالمغرب
بمجلس النواب، يوم الخميس 21 نونبر 2024
السيد الرئيس المحترم
السيدات والسادة النواب المحترمون
السيدة ممثلة مؤسسة وستمنستر للديموقراطية
السيدات والسادة الأطر
السيدات والسادة الحضور الكريم.
شكرا على برمجة هذا اللقاء التواصلي المهم حول العمل من أجل المناخ في المغرب بهدف تعزيز الانخراط البرلماني في مجال العمل من أجل المناخ بالمغرب باعتبار أن المناخ والتغيرات المناخية هي قضية الساعة.
لقد شهد المغرب عدة فترات من الجفاف تتراوح بين سنة جفاف واحدة وفترة متواصلة مدتها خمس سنوات متتالية. خلال هذه الفترات، يُلاحظ انخفاض كبير في منسوب العيون وضحالة شديدة في مجاري المياه.
لذلك، يشكل تغير المناخ عائقا جديدا لا يستهان به، ينضاف إلى باقي الإكراهات الطبيعية والبشرية في الواقع، يتجلى أثر تغير المناخ على وجه الخصوص، في تفاقم الظواهر المناخية القصوى من حيث تواترها ومداها ومنها الجفاف والفيضانات وانخفاض الإمكانات المائية.
تتوقع الإسقاطات التي أجريت على الصعيدين الوطني والدولي ظهور احترار réchauffement شديد بسبب ارتفاع في درجات الحرارة في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وانخفاض كبير في هطول الأمطار والموارد المائية من المتوقع أن يواصل نصيب الفرد من رأس المال المائي منحاه التنازلي وأن يصل إلى عتبة الخصاص بحلول سنة 2040-2050 الى 500 متر مكعب في السنة للفرد) وربما قبل هذا التاريخ.
كما يلاحظ انخفاض في الموارد في جميع مناطق المغرب تقريبا، لا سيما في أحواض أم الربيع وسوس – ماسة وتانسيفت وملوية. ويُقدر هذا الانخفاض بنسبة 16% منذ سنة 1981 وبنسبة 30% في بعض الجهات، ومنها على الخصوص أحواض سبو وتانسيفت وسوس.
ولهذا فقد خَضَع تَواترُ الجفاف ومُدتُه في المغرب لأبحاثٍ أُنجزت انطلاقا من دراسة حلقات أشجار الأرز المُسِنة بمنطقة الأطلس في المغرب، وخلصت الدراسة في مجملها الى أن المغرب يشهد ما يلي:
– يحدث الجفاف كل 11 سنة على الأقل؛
– تكون مدة الجفاف قصيرة، إذ عادة ما تبلغ حوالي سنة ونصف، غير أنه يمكن أن تتراوح بين نصف سنة و2.7 سنة
– تعود موجات الجفاف بوتيرة تبلغ حوالي عشرين سنة، وتظل لمدة 3 سنوات على الأكثر.
يحذر تقرير البنك الدولي، المشار اليه آنفا، إلى الضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة ندرة المياه في المناطق التي تعاني بالفعل من نقص الموارد المائية، مثل منطقة الساحل في أفريقيا. ومن المتوقع أن تشهد هذه المناطق انخفاضا في معدلات النمو بنسبة تصل إلى 6 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 بسبب تأثير نقص المياه على القطاعات الزراعية والصحية والاقتصادية.
من المتوقع أن يتفاقم هذا التحدي بسبب التغيرات المناخية، نظرًا للتبخر الناجم عن الارتفاع المرتقب في متوسط درجات الحرارة السنوية (من 1.5 درجة مئوية إلى 3.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن)، والانخفاض المتوقع في التساقطات (من 10 إلى 20%، بل حتى 30% في بعض المناطق). في هذا السياق، قد تصبح موجات الجفاف أكثر تواترا وقد تتوجه تدريجيا نحو حالة شبه دائمة.
وفي تقرير له تحت عنوان “ارتفاع الحرارة وزيادة الجفاف – تغير المناخ والمياه، والاقتصاد” (2016) يتوقع البنك الدولي خسائر بنسبة 6 من الناتج المحلي الإجمالي لدول في إفريقيا والشرق الأوسط بما في ذلك المغرب، ولو بوجود الكفاءة في سياسات الموارد المائية.
كما يشير تقرير البنك الدولي برسم سنة 2019 تحت عنوان: “جودة غير معروفة: الأزمة غير المرئية في المياه”، الذي يتناول بتفصيل آثار ندرة المياه على الصعيد العالمي، إلى أن “نقص الماء الشروب يقلص النمو الاقتصادي بمقدار الثلث”.
وقد أصدر البنك الدولي نموذجا للتوازن العام، بهدف محاكاة الأثر الذي يمكن أن يتكبده الاقتصاد المغربي نتيجة الانخفاض المستمر في إمدادات المياه. ووفقًا لعمليات المحاكاة هذه، يمكن القول إنه في ظل ظروف قاسية، يمكن أن تؤدي ندرة المياه في المغرب إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة قد تبلغ % 6.5. علما أن إجمالي الطلب على المياه يقدر بـ 16,28 مليار متر مكعب في السنة. يتم توزيع هذا الطلب بمقدار 14,53 مليار متر مكعب سنويًا للفلاحة و1,75 مليار متر مكعب سنويا للماء الشروب والصناعة والسياحة من إجمالي الطلب على الماء بالمغرب. وفي أفق سنة 2050، يقدر إجمالي الطلب على الماء بـ 18,69 مليار متر مكعب في السنة. يتم توزيع هذا الطلب على النحو التالي: 2,6 مليار متر مكعب سنويا للماء الشروب والصناعة والسياحة، من إجمالي الطلب على الماء بالمغرب و16,09 مليار متر مكعب سنويًا للفلاحة من إجمالي هذا الطلب.
ومن التوصيات التي جاءت في تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسة المائية، التي تشرفت بعضويتها، والذي تم تقديمه مناقشته خلال الجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية بمجلس النواب، التي انعقدت يوم 18 يوليو 2023 توصيات همت الجوانب القانونية والرقابية والحكاماتية، أو تلك المتعلقة بالمناخ وتعزيز الموارد المائية والبعد الاستشرافي للسياسات العمومية والتقائيتها. ومنها:
– تعزيز شبكة الأرصاد الجوية على المستوى الوطني؛
– الانخراط في منهجية ترقبية prospectives من أجل استباق واستشراف التغيرات المستقبلية وذلك بالخروج من منطق الاستعجالية الى منطق الاستباقية في مجال السياسة المائية
– الاهتمام بالبحث العلمي
– خلق وتشجيع برامج البحث والتطوير في مجال المياه (أزرق – أخضر – رمادي) والمناخ
– انجاز دراسة معمقة حول إمكانية إعادة تقييم الإمكانيات المائية ومكونات الدورة المائية الطبيعية على ضوء المعطيات المتراكمة وانطلاقا من اتجاهات تطور المناخ خلال الأربعة عقود الماضية، والدراسات المعتمدة على الصعيد الدولي، فيما يخص تطور المناخ.
– التوفير المجاني للمعلومات البيئية والمناخية والمائية، وتوسيع ولوج الباحثين الجامعيين للمنظومة الوطنية للمعلومات حول الماء
يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره السنوي لسنة 2022 جملة من التوصيات الرامية إلى مواكبة التدابير والإصلاحات المستقبلية لضمان الأمن المائي المستدام لبلادنا وتعزيز قدرتها على الصمود أمام المخاطر المستقبلية الناجمة عن التغيرات المناخية، لاسيما ظاهرة الجفاف ويتحلى الهدف الرئيسي في تعزيز الأمن المائي المستدام لبلادنا وتعزيز قدرتها على الصمود إزاء المخاطر المستقبلية (المناخية والمائية والغذائية وغيرها).
ومن بين التوصيات التي يقترحها المجلس في هذا الصدد، تذكر ما يلي:
– وضع مخطط وطني للجفاف مرتكز على نظام للإنذار المبكر، يحدد، بناءً على معطيات آنية حول ظروف الأرصاد الجوية الفلاحية والظروف الهيدرولوجية، التدابير الواجب اتخاذها بالنسبة لكل مستوى إنذار وكذا الهيئات المسؤولة عن التنفيذ. وينبغي العمل على تنزيل هذه التدابير على المستوى الترابي، من خلال توفير مجموعة من الإجراءات الملائمة المتعلقة بتوفير المياه والنجاعة المائية.
– وضع آلية مؤسساتية للتحكيم والتنسيق في فترات الجفاف، تكون قائمة على التشاور الموسع وإشراك مختلف الفاعلين على المستويين المركزي والترابي، وتكون غايتها القيام بتحكيم دامج ومنصف بين مختلف أوجه استعمال الموارد المائية، مع ضمان الحفاظ على الرصيد الفلاحي والأمن الغذائي والمائي ومناصب الشغل.
– دراسة إمكانية إحداث هيئة مستقلة تعهد إليها، في إطار مقاربة للتدبير المندمج للموارد المائية بالتحديد الأمثل لأغراض استعمال الموارد المائية ووضع سياسة للأسعار خاصة بهذه الموارد، بناءً على توجيهات المجلس الأعلى للماء والمناح
– إعادة النظر في النموذج الفلاحي المعتمد في الجانب المتعلق باستعمال الموارد المائية وتدبيرها، وذلك أساسا من خلال إعادة النظر في الأنشطة والتخصصات الفلاحية بشكل يسمح يجعل كل جهة تتخصص في ممارسات فلاحية وزراعات مستدامة من حيث استعمال الموارد المائية، لذا، يتعين دعم إحداث سلاسل فلاحية قادرة على مقاومة التغيرات المناخية ولا تتطلب موارد مائية ضخمة وتتيح إنتاجية أفضل للماء.
– تعزيز الأنشطة التحسيسية الموجهة لمستعملي المياه المواطنات والمواطنون، الفلاحون الفاعلون في قطاع الصناعة المكلفون بالتدبير حول ترشيد استعمال الماء.
إن ارتفاع درجات الحرارة في المغرب، نتيجة لتغير المناخ، له تأثيرات اقتصادية متعددة، تؤثر على مختلف القطاعات الحيوية. فيما يلي أبرز هذه التأثيرات:
•تدهور الإنتاج الفلاحي : بحيث يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في تقليل إنتاجية المحاصيل، مما يؤدي إلى نقص في الإمدادات الغذائية. يُعتبر القطاع الزراعي أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد المغربي، حيث يمثل حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف نصف السكان.
•ندرة المياه : تؤدي زيادة درجات الحرارة إلى تفاقم أزمة المياه، مما يؤثر سلبًا على الزراعة. تشير التقديرات إلى أن المغرب قد يواجه نقصًا كبيرًا في الموارد المائية، حيث يُتوقع أن تقل كمية المياه المتاحة للفرد إلى أقل من 500 متر مكعب بحلول 2030.
•تآكل السواحل : يُتوقع أن يتعرض 42% من الساحل المغربي لمخاطر تآكل السواحل والفيضانات، مما يهدد البنية التحتية السياحية.
•زيادة الأضرار المالية : ارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف يمكن أن تؤدي إلى خسائر مالية كبيرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة. يُقدر البنك الدولي أن الخسائر الناجمة عن الجفاف قد تتراوح بين 45 مليار درهم و75 مليار درهم في سيناريوهات مختلفة.
•تأثير على القطاع البنكي : يواجه القطاع البنكي مخاطر متزايدة بسبب تعرضه لصدمات المناخ، حيث يُعتبر أكثر من ثلث محافظ القروض البنكية عرضة لمخاطر مادية نتيجة لتغير المناخ.
•التأثيرات الاجتماعية
زيادة الفقر والهجرة: يمكن أن تؤدي الضغوط الناتجة عن تغير المناخ إلى زيادة الفقر والنزوح الداخلي بسبب فقدان سبل العيش في المناطق الريفية التي تعتمد على الزراعة.
* الحاجة للاستثمار والتكيف
استثمارات ضخمة مطلوبة: يحتاج المغرب إلى استثمارات تقدر بحوالي 800 مليار درهم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتكيف مع تغير المناخ، بما في ذلك تعزيز مرونة السياحة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.
تستدعي هذه التأثيرات استجابة فعالة من الحكومة والمجتمع لضمان استدامة الاقتصاد المغربي في مواجهة تحديات تغير المناخ؛ لذلك يتطلب التصدي لتغير المناخ تبني سياسات شاملة ومتكاملة، تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات البيئية لكل منطقة. هذا يشمل تعزيز الفلاحة المستدامة وتطوير تقنيات الحفاظ على المياه.
هذه التحديات، المشار إليها، تعتبر جزءًا من واقع ملموس يواجه بلادنا، مما يستدعي استجابة فعالة وسريعة لضمان استدامة الموارد الطبيعية وحماية البيئة.