ثقافة

آلام الصغار عند الكبر .. التنمر نموذجا

في حصة التربية البدنية نزعت سارة، التلميذة في القسم الثالث ابتدائي، حذاءها الرياضي، لمح الصغار إصبع رجلها الأصغر معوجا لا يشبه أصابع الرجل العادية، سرى الخبر بين الصغار كالنار في الهشيم، سارة لها إصبع رجل أعوج، أشارت إليها الأصابع، وتكلمت الأفواه، وتعالت قهقهات الصغار، فاختفت سارة من مقعدها في القسم ومن المدرسة.
ولأن سارة كانت تلميذة نموذجية في كل شيء، في مواظبتها، ودراستها، ونظافتها، وسلوكها القويم، استرعى اختفاؤها انتباه معلم اللغة العربية:
– علاش ما جاتش سارة؟
– خرجات من المدرسة أوستاذ، جاءه الرد بشكل جماعي من أغلب الصفوف.
في اليوم الموالي تواصل اختفاء سارة، سأل الأستاذ مجددا تلامذته فكان نفس الرد، مع بعض التبرير:
– راه اوستاذ سارة خرجها باها، مابقاتس بغات تقرا
– علاش؟
– صمت مريب…
لم يختلف الحال في اليوم الثالث، توصل المعلم إلى أن لسارة ابن عم في المدرسة بمستوى أعلى، بحث عنه، فعلم أن سارة لن تعود إلى المدرسة لأن زملاءها يضايقونها بعد أن اكتشفوا فجأة أن أحد أصابع رجلها ليس عاديا.
بعث في طلب والدها، حضر بعد يومين واحاط المعلم علما أن ابنته تعرضت لضغط وتضييق شديدين من قبل تلاميذ الفصل بعد أن اكتشفوا ان احد أصابع رجلها لا يشبه أصابع أرجلهم، طلب منه المعلم إحضارها في الغد لأنه يخبئ لها مفاجأة، فرد الأب بكونه سيحاول لأنها تهدد باتخاذ قرار خطير لو أجبروها على العودة للمدرسة، فالتمس منه المعلم فقط المحاولة.
مقتربا من المؤسسة في اليوم الموالي، لمح سارة بمعية والدها، تقدما منه، حياه الأب، وسأل سارة:
-علاش أبنتي ما بغيتيش تقراي ونتي تلميذة مجتهدة وديما جاية في الوقت.
-طأطات رأسها مستحيية.
أشار على الحارس بالسماح لهما بالدخول مباشرة بعد التحاق الجميع بأقسامهم.
ولج قاعة الدرس، هيأ الجو للشروع في العمل، دخل التلاميذ واخذوا أماكنهم وهم يتسابقون للظفر بمنزلة المخبر الاول للأستاذ بمقدم سارة الغاضبة.
هدأت جلبة الأطفال، شرع الأساتذة في تقديم دروسهم عندما وقفت سارة ووالدها قبالة الباب:
-تفضلوا
أجلس سارة في مقعدها الذي بقي فارغا لقرابة أسبوع وسألها:-
علاش ابنتي ما بغيتيش تقراي أواليديك مساكن بغاوك تكوني شي مهندسة ولا طبيبة ولا محامية؟
– راه أوستاذ كايقشبو عليها الدراري، يرد أحدهم
– علاه مالها؟
– يحاول أبطال القصة الضحك مخفيين وجوههم ومختبئين وراء ظهور زملائهم، فنطق تلميذ من الجادين:
– تايقولو ليها موصبع
– كيفاش موصبع، يرد الأستاذ مفتعلا عدم الفهم
– ضحك احد الفوضويين رادا: راه أوستاذ عندها واحد الصبع ف رجلها أعوج
– ييه
– وتايقشبو عليها الدراري
– كي درتو حتى شفتوه
– ملي مشينا نديرو الرياضة وحيدات السبرديلة
يمر المشهد أمام الأب وتلاميذ القسم بمن فيهم سارة، ناداهم الأستاذ جميعا للإحاطة به، وأراهم إصبعا من أصابع رجليه مثل إصبع سارة تماما وقال:
– واش بحال هاذا؟
-وابحالو أوستاذ، والله
– حتى انا خاصكوم تقشبو عليا، وتبقاو تقولو ليا بوصبع
– رد شبه حماعي، لا أوستاذ حشومة
– وعلاش حشومة، باش آنا أحسن من سارة؟
– نتا أستاذ ديالنا
عاد الجميع إلى أماكنهم، فاخبرهم الأستاذ بكون أي منهم ومنهن يمكن أن يكون له إصبع أعوج، أو شكل غير عادي، وان لا أحد يختار شكله او هيئته او لونه او طوله أو حجمه، وأن قيمة الإنسان ليست بكل ذلك ولا بكل ما يراه الناس، بل بعلمه وعمله واخلاقه وقيمه، وطلب منهم احترام بعضهم البعض أيا كانت أشكالهم او ألوانهم او صفاتهم…
واصلت سارة الحضور، وارتقت المستويات مستوى مستوى، وتواصل مسيرتها ونصب عينيها صورة معلمها الإنسان.

                         

بقلم الاستاذ الطيب امكرود

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى