اخبار

تصريح النائبة نعيمة الفتحاوي حول سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية المجالية والتنمية الاجتماعية الاثنين 15يونيو 2024

يعتبرالعامل القانوني من بين أهم العوامل المؤثرة في مجال التعمير كما في باقي المجالات الأخرى. ورغم المكتسبات التي تم تحقيقها فإن هذا الجانب يعرف مجموعة من العوائق، منها تقادم بعض القواعد القانونية وصعوبة تطبيق بعض المقتضيات المتعلقة بالتعمير وعدم ملاءمة ومواكبة قوانين التعمير للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة والتطورات المواكبة.

وقد كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الصادر في أكتوبر 2022 عن العديد من الاختلالات التي تطبع قطاع التعمير والتنمية الحضرية؛ من بينها أن هناك إكراهات بنيوية تعيق التخطيط الحضري. ونبه إلى أن هناك العديد من الاختلالات التي تؤثر على حصيلة سياسة تعزيز الدينامية العمرانية وتنعكس على آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، وينجم عن ذلك تباين بين أهداف وثائق التعمير وواقع الحال، وتدهور في المناطق الحضرية. وسجل غياب رؤية مندمجة للتنمية الحضرية، وقال إن الاختيارات والتوجهات التي يتم تسطيرها في وثائق التعمير لا تنبثق من تشخيص شامل لواقع المجال الترابي المعني، ومن معرفة جيدة بخصوصياته، ولا ترتكز على رؤية استشرافية قادرة على استباق الحاجيات المستقبلية وإدماج الرهانات التنموية متوسطة وبعيدة المدى وتقتضي هذه المقاربة إجراء دراسة مفصلة تقوم بتحليل شامل للسياق المحلي، لا سيما الوضعية الحقيقية للدينامية العمرانية، والمعطيات الجغرافية والاقتصادية والبيئية للمجال الترابي، والخصائص الاجتماعية والثقافية والسوسيولوجية للساكنة ورؤية المواطنين والمجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين لتنمية المنطقة..، وذلك مع أخذ السياسات العمومية والتوجهات والاستراتيجيات والبرامج التنموية الترابية التي تؤثر على المجال الترابي المعني بعين الاعتبار.
كما وصف التقرير مساطر إعداد وثائق التعمير بالتعقيد، مسجلا أن هذه العملية تتسم بالطول والتعقيد، وتفتقد أحيانا لما يكفي من الوضوح، بحيث إن المصادقة على أي وثيقة تعمير تظل رهينة بإبداء رأي 33 متدخلا وتتطلب 113 توقيعا.
كما نبه المجلس إلى أن هذه التعقيدات المسطرية التي يصعب تتبع مسارها أحيانا، تساهم في ظهور بعض الممارسات السلبية وغير المشروعة، ينضاف إلى ذلك كون الوكالة الحضرية مطالبة بإعداد عشرات من وثائق التعمير لتلبية احتياجات الجماعات الواقعة ضمن نفوذها الترابي غير أنه، وبالنظر لمحدودية موارد الوكالات الحضرية وتعقد المساطر، يستغرق إعداد وثيقة للتخطيط الحضري مدة زمنية طويلة قد تمتد لسنوات.
أما فيما يخص التشريعات القائمة المؤطرة لميدان التعمير فالمشكل ليس أنها لا تُمَكن من إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تعرفها التكتلات العمرانية فحسب، بل إنها تزيد من حدتها بسبب تثاقلها وجمودها وكونها لم تعد تتماشى والتغييرات المتسارعة التي يشهدها المجال. مما جعلها غير قادرة على التفاعل مع الاختلالات الاجتماعية والمجالية المنتجة لتعمير غير منظم يكرس التمييز والإقصاء الاجتماعي والمجالي وتفشي البطالة والانحراف وكل مظاهر ضعف الاندماج؛ مما يتطلب وسائل وآليات ومقاربات قانونية جديدة في ميدان التخطيط والتدبير الحضريين من أجل سياسة تعميرية ناجعة؛ فالانتشار الواسع للبناء العشوائي ودور الصفيح، فهذه الأشكال العمرانية الغير اللائقة والغير المهيكلة من شأنها أن تفرز عدة مظاهر اجتماعية واقتصادية سلبية اتجاه المجال وسكانه، وبالتالي قد تحول دون الوصول إلى هيكلة مجالية معقلنة ومساعدة على إنجاح البرامج التنموية

إنتاج وثائق التعمير يعرف بطئا كبيرا، وتطبيق مقتضياتها يعرف مجموعة من الاختلالات. وقد أظهرت الممارسة على أرض الواقع أن عمليات إعداد وثائق التعمير ودراستها تعرف تأخرا كبيرا يهدد قدرتها على مواكبة التحولات الديمغرافية والعمرانية المتسارعة ومجاراة الديناميات الاجتماعية والاقتصادية التي تتفاعل داخل المجالات الترابية، الأمر الذي يزيد في توسيع الهوة بين مقترحات التهيئة وما يتم إنجازه على أرض الواقع.
لذلك، لا بد من حل إشكالية ملكية العقار التي تعتبر أحد أهم الإشكاليات المعيقة للتنمية؛ فالعقار يعتبر من بين العوامل الأساسية المؤثرة في السياسة التعميرية، كما يُعتبر الأرضية الأساسية التي تنبني عليها السياسات العمومية للدولة. والتوسع العمراني السريع يتطلب إعمار أراضي شاسعة لإيواء الساكنة الحضرية المتزايدة نتيجة للنمو الديمغرافي والهجرة القروية، وتزويد المناطق السكنية بما تحتاجه من تجهيزات تحتية وفوقية وما يستلزمه التعمير من خدمات أساسية كالماء والكهرباء والتطهير الصلب والسائل والحدائق والمناطق الخضراء ومناطق التنزه والراحة والنقل الحضري، ومن مرافق عمومية ضرورية كالتعليم والصحة والثقافة والرياضة.
كما أن المتدخلين (عموميين وخواص) يجدون مشاكل متعددة للحصول على الأراضي بالمناطق الحضرية بسبب طبيعة النظام العقاري المعقدة والإجراءات المسطرية غير الملائمة، أو بسبب الارتفاع الكبير في القيمة العقارية والمضاربات.
وحسب التشخيص الذي تم تقديمه بالمناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية سنة 2015، فالمشاكل والإكراهات التي يطرحها العقار تكمن أساسا في تعقد المقتضيات القانونية وتعدد الأنظمة العقارية وضعف نسبة الأراضي المحفظة وعدم تحيين الخريطة العقارية، لكن توقعات وثائق التعمير نادرا ما تأخذ واقع النظام العقاري والتقسيمات العقارية بعين الاعتبار.
لهذا يمكن القول بأن سياسات التعمير المعتمدة ببلادنا حققت نتائج إيجابية ساهمت في تحقيق تطور اقتصادي وعمراني ملحوظ، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور انعكاسات سلبية على مختلف المجالات المرتبطة بها، خصوصا في ظل تعدد المتدخلين وضعف التأطير التشريعي والقانوني، فضلا عن تداخل الاجتماعي بالاقتصادي والسياسي، وتأثيرات الجانب السلبي للثقافة المجتمعية في علاقته بطبيعة النخب ذات الصلة بسياسات التعمير.
لذلك فالمطوب اليوم سياسات ناجعة في مجال التعمير تُمَكن الفاعل المركزي والمحلي وباقي الفاعلين من القضاء على الاختلالات السوسيو مجالية متمثلة في الفرق الشاسع بين المدن الفقيرة والمدن الغنية وتحقيق نوع من الانسجام الحضري بين مختلف مناطق المدن وتزويد المجالات المتضررة بالبنيات والتجهيزات الأساسية وتفعيل الشراكة الحقيقية والتعاون بين كل المتدخلين في مجال التدبير الحضري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى