تُشكّل الممارسات الثقافية والمناسبات الاحتفالية الجماعية لحظة مهمة لإقامة الجسور بين مختلف الأجيال، تتجسد في جوهر مضامينها معاني البعد الإنساني والحضاري، وتتناقل فيها القيم والمعارف والأفكار، وتساهم في تماسك المجتمع وتقوية بنياته وتعزيز العلاقات الاجتماعية بين أفراده. كما تعد فرصة لتقاسم عناصر الذاكرة والتاريخ بين الأفراد والجماعات، والحفاظ على الموروث الثقافي وصيانته وتملّكه، فضلاً عن طابعها الاحتفالي والفرجوي.
وفي إطار إعادة الاعتبار للعادات والتقاليد الأمازيغية بتيزنيت وإسهاما في الحفاظ على الثقافة الأمازيغية العريقة والعمل على النهوض بها كإحدى مكونات الثقافة المغربية المتسمة بالوحدة والتنوع، تنظم جماعة تيزنيت بشراكة مع مجموعة من الفعاليات بالمدينة تظاهرة “تيفلوين ⵜⵉⴼⵍⵡⵉⵏ” لفتح أبواب الذاكرة التاريخية والثقافية لتيزنيت، وإبراز مختلف تمظهرات احتفالية الأرض والهوية برأس السنة الأمازيغية الجديدة ايض ن اينّاير 2973، لما تحمله هذه المناسبة من دلالات ثقافية ورمزية وأنثروبولوجية متجذرة وعريقة، ليس فقط في تاريخ المغرب، وإنما في تاريخ شمال إفريقيا برمته.
“تيفلوين ⵜⵉⴼⵍⵡⵉⵏ”، تظاهرة ثقافية تحتفي بالذات الجمعية التيزنيتية الأمازيغية، يغذيها متخيل ميثولوجي ينبع من فضاء “العين أقديم” ويمتد إلى “قصبة أغناج” و”إكي ن تفلوين” ثم مدخل “تارݣا” وما تزخر به هذه الفضاءات من حمولة رمزية وثقافية ودينية واجتماعية، لا في تمركزها، وإنما في تلاقحها وتناسجها وحوارها مع مختلف الثقافات المتجاورة والمتجاذبة، سعيا في ابراز المعالم الثقافية لمدينة تيزنيت وجعلها منارة ثقافية جهويا، ووطنيا ودوليا.
“تيفلوين ⵜⵉⴼⵍⵡⵉⵏ” احتفالية الأرض والهوية، مناسبة لساكنة المدينة وزوارها لاكتشاف الدلالات الرمزية للاحتفال بـــــ”ايض ن اينّاير” والتعرف على الحضارة الأمازيغية التي هي جزء لا يتجزأ من الثقافة المغربية. سفر ضارب في عمق الممارسات الثقافية والتعابير الفنية والمعارف التقليدية المرتبطة بالاحتفال برأس السنة الأمازيغية، يتجسد في فضاءات إبداعية مختلفة، تبرز غنى وتنوع الموروث الثقافي بتيزنيت وطقوس الاحتفاء ب ايض ن اينّاير. يبدأ من” تيݣمّي ن تمازيرت”، فضاء يجمع أهم الممارسات الثقافية المرتبطة باحتفالية ايض ن اينّاير من معرض للأدوات الفلاحية باعتبار أن الاحتفاء بالسنة الأمازيغية أو السنة الفلاحية يحيل إلى الانتماء إلى الحضارة الزراعية، ثم “أنوال”، الذي يعرفنا على مختلف الأواني وأدوات الطبخ المتأصلة في الموروث الثقافي الأمازيغي، ومعرض للفنون التشكيلية، و”أسايس ن ؤمين” وفضاء للفنون التراثية المحلية والممارسات الثقافية المرتبطة بها (ترويسا، أحواش، ورشة صنع وعرض بعض الآلات الموسيقية الأمازيغية…)، إضافة إلى جناح خاص ب “إمعشار”، نموذج من الأشكال التعبيرية الفرجوية المعروفة بتيزنيت.
في الفضاء الخارجي “تاما ن تمزكيدا”، معرض محلي للاقتصاد التضامني الاجتماعي، يعرف بغنى وتنوع المنتوجات المجالية التي تزخر بها مدينة تيزنيت، وينتهي بالوصول إلى “أغناج” حيث تُعرض تشكيلة متنوعة من الأبواب القديمة والعديد من الحرف والمعارف التقليدية (صياغة الحلي الفضية، صناعة الفخار، الأزياء الأمازيغية، البلغة الأمازيغية…)، ثم “العين أقديم”، مكان للراحة والجلوس والاحتفال العائلي برأس السنة الأمازيغية والتعرف على مختلف الأكلات المعدة في هذه المناسبة والأشكال الاحتفالية المرتبطة بها، و “ئݣّي ن تفلوين”، مسلك تراثي هدفه إحياء مجموعة من الممارسات الثقافية التي تحمل الدلالات الرمزية للاحتفال برأس السنة الأمازيغية، حيث نجد احتفالية “المعروف”، واحدة من العادات القديمة بالمنطقة، ومناسبة لتعزيز قيم التضامن والتآزر التي يجسدها “ايض ن اينّاير”. كما يضم هذا المسار مجموعة من البنيات الثقافية والتراثية المنخرطة في تثمين الموروث الثقافي بتيزنيت: كمتحف أغوليد، فضاء أسرير،رياض الجنوب، فضاء البلاند…
وتنتهي هذه الرحلة في الذاكرة والتراث في مدخل “تارݣا” حيث نجد “أدغار ن تزّانين”، فضاء يستحضر أهمية تملّك الأطفال والشباب اليافعين لرمزية وأبعاد الاحتفال ب “ايض ن اينّاير”، ويضم مكانا خاصا بالألعاب التقليدية الأمازيغية، وجناحا للإبداع والفنون الأمازيغية الشبابية. و”أݣاداز” الذي يجسد السوق التقليدي باعتباره موروثا ثقافيا يحمل العديد من الرموز والدلالات، ومجالا لحفظ الذاكرة والتاريخ والتعبير عن مختلف التقاليد والعادات. نسافر من خلاله لاكتشاف ذكريات الأجداد والوقوف على مختلف ممارساتهم الثقافية المرتبطة بهذا المجال.