اخبارميدمار التعليم

سحب النظام الأساسي للتعليم وتجميد العمل به ضرورة ملحة لإنقاد ماتبقى من سنة دراسية

سحب النظام الأساسي للتعليم وتجميد العمل به ضرورة ملحة لإنقاد ماتبقى من سنة دراسية .

في أحد مقالاتنا السابقة حول الانتخابات التشريعية بالمغرب وقفنا على مسألة عدم التجانس الحاصل بين الأغلبية الحكومية والذي يرجع بالأساس إلى عدم السماح بوجود تحالفات قبلية في المنظومة الانتخابية ، مما يدفع الأحزاب السياسية المشاركة الى إنتظار الإعلان عن النتائج ، والذي نعتبره خطأ في إيجاد تحالف متوازن ديمقراطيابعد هذه العملية ، ذلك أنه يصعب البحث عن متحالفين مناسبين، وهو ما ينعكس على الحكومة التي تبدو غير متجانسة لاحقا ، بضمها لعدد من الأحزاب ، ذات البرامج غير الواضحة والطوباوية التي يستحيل تمزيلها على أرض الواقع ، أقول والتي تفتقد إلى القدرة على إخراح حكومة ومجالس محلية وجهوية قادرة على تدبير الأزمة والتخفيف من تداعياتها الاقتصادية والإجتماعية أكثر من ذلك الدفع بإعادة شخصيات سياسية الى التدبير الحكومي ،رغم ماراكمته من تجربة متواضعة إن لم نقل ضعيفة ، ونخب وكفاءات حزبية على المقاس تنقصها التجربة و مبادئ التواصل والحوار .

لنعد ياسادة بعد هذه المقدمة التي نراها ضرورية لموضوعنا ومدى صعوبة إعطاء موقف دقيق وحاسم عن إضراب أسرة التعليم بالنظر الى أنه حق مشروع يقابله كذلك الحق في التعليم وعدم هدر الزمن المدرسي الذي أثار غضب أولياء أمور التلاميذ .
لكن وكحقوقي أومن بأن التعليم حق من حقوق الانسان والمعلم والاستاذ إنسان يجب أن تحترم كرامته وأن بالعلم ترقى الأمم ، أقول أرى أنه يجب على الدولة أن تسعى إلى أن يستفيد جميع المغاربة بشكل متساوي من تعليم عصري ذو جودة و يؤهلهم لكل الأدوار النافعة داخل المجتمع.
وحتى نحقق ذلك لابد من الاهتمام بالمدرس ونحفظ كرامته، ونعيد هبته وإشعاعه داخل المجتمع، و الإهتمام بالتلميذ و الإحاطة بشؤونه ، فهناك مثل أمريكي يقول : إذا أردت أن تعلم اللاتينية لجون فليس ضروريا أن تعرف اللاتينية، ولكن عليك أولا أن تعرف جون.
فضلا على ضرورة الإلمام بالمناهج التعليمية التي يجب أن تكون متناسبة مع عالم اليوم والتطورات الراهنة ، وأن تعتمد تلك المناهج على الابتكار والنقد والتحليل بدلا عن الحفظ وإعادة إجترار الأفكار و المعارف .
التعليم كما عبر عنه جلالة الملك محمد السادس في رسالته الموجهة للمشاركين في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين حول فعالية وتطوير المدارس ، هو رافعة لتحقيـق التنميـة المستـدامـة ، فـي مختلـف الميـاديـن الاجتمـاعيـة والاقتصـاديـة والثقـافيـة والبيئيـة. وهـو الـركيـزة الأسـاسيـة لتـأهيـل الـرأسمـال البشـري، لكـي يصبـح أداة قـويـة تسـاهـم بفعـاليـة فـي خلـق الثـروة، وفـي إنتـاج الـوعـي، وفـي تـوليـد الفكـر الخـلاق والمبـدع ، وفـي تكـويـن المـواطـن الحـريـص عـلى ممـارسـة حقـوقـه ، والمخلـص فـي أداء واجبـاتـه و المتشبـع بـالقيـم الكـونيـة المشتـركـة، وبـالإنسـانيـة المـوحـدة، والأهم المتمسـك بهـويتـه الوطنية الغنيـة بتعـدد روافـدهـا ، وبمبـادئ التعـايـش مـع الآخـر، والمتحصـن مـن نـزوعـات التطـرف والغلـو والانغـلاق .

ورجوعا الى الإضراب الذي تخوضه مكونات القطاع من مدرسين وأطر إدارية نضال وإضرابات وإحتجاجات لمواجهة النظام الأساسي و الذي يصفونه أنه غير منصف ويضرب تاريخ نظاليا لا يستهان به اكمه الأساتذة منذ فجر الإستقلال الى اليوم ،فبرغم إيماننا بضرورة تبخيس المجهودات التي تبدلها الدولة للنهوض بقطاع التعليم ، إلا أنه في الحقيقة لم تكن الحكومة الحالية موفقة في تبنيها للنظام الأساسي المشار إليه لعدة أسباب نذكر منها :
أولا: تكريس منطق اللامساواة بين الفئات التعليمية.
ثانيا: اثقال كاهل المدرسين بمهام تطوعية، دون مقابلتها بتحفيزات مادية ملائمة.
ثالثا: تقييد حق اللجوء إلى مباراة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالنسبة لأطر التدريس أو الأطر المختصين التربويين والاجتماعيين، ومختصي الاقتصاد والإدارة بسن الثلاثين، مما يخالف الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ربط الولوج للوظائف العمومية بمعيار الاستحقاق لا بمعيار السن.
رابعا: اعتماد المقاربة العقابية لأول مرة في النظام الأساسي، مع العلم أنها أثبتت فشلها في كافة المجالات .
فضلا على أنه لا يحق لأحد المزايدة على الدولة بملف المونديال ولا المزايدة على أي كان خاصة فئة رجال التعليم بمفاهيم الغيرة على الوطنية وحب الوطن ،فالوطن ليس أرضا وإنتماءا فقط بل حق في المساواة والإنصاف …..فالوطنية حق يمارس .
إن الخلل الرئيسي في العملية التعليمية برمتها إنما يعود لمشاكل إصلاحات اقتصادية بالأساس إنعكست آثارها بشكل مباشر على قطاع الوظيفة العمومية برمته .
ولا يخفى على أحد أن التعليم في العديد من دول المنطقة المغاربية والإفريقية ومنها المغرب ما يزال يشكل عبئا على ميزانية هذه الدول، فجلها تعاني اقتصاديا وتحاول ساعية الى تحقيق مستويات مهمة في التنمية وجعل المعضلة الإجتماعية أولى أولويات سياستها العمومية وهذا ماسعى إليه المغرب من خلال النمودج التنموي الجديد ومباشرة الإصلاحات الإجتماعية والإهتمام بالفئات الهشة . أقول أنه لازال هناك من يكرس من مسؤولينا معالجة معظلة التعليم ، خاصة العمومي ، بنظرة حسابية إقتصادية، مفادها أن قطاع التعليم يستهلك كثيرا ولا يعود بفوائد ربحية بالنسبة للدولة وهذا خطأ .

و نخلص إلى القول بأن ملف المنظومة التعليمية لن يحل مالم تنخرط الأسرة وجميع فعاليات المجتمع المدني في اصلاحه.
التعليم مسؤولية مشتركة بين جميع الفاعلين ،و يجب على الجميع أن يساهم ماديا ومعنويا في إطار التضامن الاجتماعي في العملية التربوية والتعلمية. وأن يكون التعليم أوليتنا جميها حكومة وشعبا.
ولنكن عمليين جديين في معالجة أزمة إضراب أضحى كابوسا مخيفا للأسر على مستقبل أبنائها ،رغم أنه حق ،يقابله كذلك حق التلميذ في التمدرس ، لنسائل أنفسنا جميعا حول مدى وجود إرادة حقيقية لدى مسؤولينا الحكوميين في تدبير هذه الأزمة وفي إيجاد حل توافقي يعود من خلاله الأستاذ والتلميذ الى القسم والمدرسة بدل سياسة شد الحبل والوعيد والتخبط في إتخاد القرارت العشوائية .
وهنا أرى أن من سمح بتمرير النظام الأساسي للتعليم قادر على تعليق العمل به الى حين إعادة النظر في بنوده المجحفة في حق الأطر التعليمية ،علينا أن لانغيب إرادة ضرورة الإصلاح الحقيقي والعميق في تدبير أزمة التعليم اليوم وهنا لا نستتني التعليم الخصوصي الذي يجب إعادة النظر فيه بكل حزم وصرامة كي لا يتحول الى مجرد مقاولة هم أصحابها الربح فقط .
ختاما ، الدولة ملزمة في هذه الساعة وقبل أخرى أن تعلق العمل بالنظام الأساسي وأن تعكف وفي إطار ديمقراطية تشاركية حقيقية مع كل مكونات الأسرة التعليمية وجمعيات اباء وامهات التلاميذ بالمغرب ومع حكماء القانون وجهابدته في معالجة كل الخروقات التي جاء بها هذا النظام الأساسي ، وإخراج قانون خاص بالتعليم يحمي الأستاذ والتلميذ ويعيد الإعتبار المفقود للمدرسة العمومية .

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى