أكادير: استحضار النموذج التنموي لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي
ارقام مخيفة في تنامي لظاهرة العنف
العنف ظاهرة لا تشبه باقي الظواهر الاجتماعية الأخرى، بارتباطها وتأثيرها المباشر في المحيط، مما يفرز مجموعة من الظواهر الموازية تفسر درجة الإخفاق الاجتماعي، الواقعي والتشريعي في احتواء الظاهرة.
تخفي ظاهرة النساء ضحايا العنف أكثر مما تظهره من خلال الواقع، بارتباطها بشكل مخيف بالمستقبل والأجيال القادمة، من خلال العقم العلائقي والوظيفي بين المرأة وارتباطاتها داخل النسق المجتمعي المغربي. حيث تضمر هذه العلاقة خللا وظيفيا في الامومة كأجمل حلم وأشرف وضيفة قد تنتهي بأجيال ضحية، تحمل ما تحمل من تناقضات الهوية الضائعة، والقيم المتحورة، تتيه بين التقليد والحداثة الى نسق أقرب الى السكيزوفرينيا المجتمع…
ان الأسباب والدوافع الاجتماعية المرتبطة بالظاهرة، يتلخص معظمها في غياب التناسب والتوافق النفسي والاجتماعي والاقتصادي وهو الدافع الأساسي لتوليّد العنف بين الزوجين، فالاختلاف في بيئة النشأة، وظروف النشأة الأولى ومراحل الحياة والتعليم والثقافة والقيم والطباع وأسلوب الحياة، هو المسلك الرئيس الذي يخلق التجاذب او تنافراً بين الشخصيتين، والتنافر يخلق بدوره العنف، ولعل ذلك يعود إلى النزعة المادية التي أصبحت تسيطر على الأفراد داخل المجتمع المغربي.
فالرجل والمرأة في الوقت الحالي ينظران للزواج على أنه صفقة، أي أن كلا منهما يقدم على هذه التجربة بدافع المصلحة، لذا تأتي النتائج غير محدودة في أغلب الأحيان، والعنف بين الأزواج يتدرج من مجرد السب والشتم إلى التعذيب النفسي والبدني، إلى الفشل الذي يصل إليه أحد منهما في حالة غياب كامل للقيم والدين والأخلاق.
ويتجدد السؤال كلما تجددت مناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء؟ كيف السبيل للتخلص من كل هذه الظواهر الداخلية في مجتمعنا؟
وفي ندوة صحفية لمركز النجد لمساعدة النساء والأطفال ضحايا العنف بأكادير والتي تناشد في يومها العالمي على تنامي الظاهرة مؤكدة بأرقام مخيفة ومعطيات تدق بها الجمعية ناقوس الخطر، أظهرت النتائج التي قدمها مركز النجدة لمساعدة النساء والاطفال ضحايا العنف فرع أكادير والممتدة من 20 نونبر 2021 الى غاية اكتوبر 2022، ان العنف المعنوي يحتل الصدارة بنسبة100. ٪ يليه العنف الجسدي بنسبة 65٪.
وحسب ذات المصدر فإن حالات العنف تتوزع حسب الوضعية المهنية بنسبة 60 ٪ لفائدة ربات البيوت و21٪ مساعدات النظافة ,فيما تبقى نسبة 8٪ الخاصة بالموظفات ويليه 11٪ للمهن الحرة.
وتختلف حالات العنف ونسبها بين الوسطين الحضري والقروي في حين بلغت عدد حالات بالوسط الحضري 143حالة والقروي 25حالة.
وبهذه المناسبة قامت جريدة ميدمار ميديا بإجراء حوار مع السيدة السعدية الباهي رئيسة اتحاد العمل النسائي للنساء والاطفال ضحايا العنف .
اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء موعد سنوي يتجدد من خلاله خطاب التنديد بمناهضة العنف ضد النساء. من موقعكم ومن خلال تجربتكم كيف تقيمون تجربة المغرب مقارنة مع دول اخرى ؟
هي حملة أممية ووطنية لمناهضة العنف ضد النساء نخوضها سنويا من 24 نونبر إلى غاية 10 دجنبر ،،خلال هذه الحملة نرسل الإنذار وبالأرقام ندق ناقوس الخطر لننبه لأوضاع العديد من النساء في وضعية هشاشة اجتماعية واقتصادية وضحايا عنف متعدد جنسي وجسدي واقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي..
بداية يومياتنا في هذا العمل الميداني الحقوقي كانت مع إصدار جريدة 8 مارس من طرف مناضلات، جريدة اماطت اللثام عن وضعية النساء ضحايا العنف على لسانهن من خلال ركن ” دعوني أتكلم” “
حيث فتح نقاش و عقدت موائد مستديرة واجريت أبحاث ميدانية لتشخيص أوضاع هؤلاء النساء في اوضاعهن الهشة من طرف شركاء باحثات وباحثين ومتخصصين في القانون و في علم الاجتماع و علم النفس، وكذا من طرف خلايا 8 مارس وطنيا، فكانت حملة لوضع الطلاق بيد القضاء.
من موقعكم ومن خلال تجربتكم كيف تقيمون تجربة المغرب مقارنة مع دول اخرى ؟
من بين خلاصات أوضاع النساء ضحايا العنف ،،العنف القانوني الناتج عن مدونة الأحوال الشخصية وعن تطبيقها ومضامينها،، وما ينتج عن الطلاق التعسفي والتعدد وحرمان الأطفال من النفقة وكل مستلزماتها وما يترتب عن ذلك من عنف نفسي وأضرار اجتماعية، فكان التفكير في إنشاء تنظيم نسائي جماهيري ديموقراطي مستقل ضرورة للتجذر في أوساط النساء لإشراكهن في الوعي بأوضاعهن والمطالبة بحقوقهن ، فتأسس اتحاد العمل النسائي كجمعية وطنية سنة 1987 امتدت فروعها على امتداد الوطن،، وكان مطلب تغيير المدونة مطلبا مشروعا ساهم اتحاد العمل النسائي بعريضة المليون توقيع لتغيير مدونة الأحوال الشخصية على كسب اعتراف ملكي حسما للعريضة المضادة المنظمة من طرف القوى المحافظة،وعلى تحقيق الإجماع على المطلب من طرف المنظمات النسائية والحقوقية والحزبية،أمر المغفور له الحسن الثاني بتكوين لجنة لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية وحصل تغيير سنة 1993 لم يكن في مستوى طموحات الجمعيات النسائية فبقي المطلب قائما … وقدمت مذكرات للجهات المعنية و أقيمت مسيرات وكانت خطة إدماج المرأة في التنمية ،إلى غاية 2004 بعد ان حسم الملك الشاب إنذاك محمد السادس في ضرورة تغيير المدونة لتصدر مدونة الأسرة بتوافق بين ممثلات وممثلي الهيئات المدنية والحقوقية وعلماء النفس والاجتماع،واعتبر صدور مدونة الأسرة ثورة هادئة، ساهمت في انفتاح النساء المعنفات على هيئات المجتمع المدني النسائي ففتحت مراكز النجدة ومر اكز للاستماع للنساء ضحايا العنف، وساهمت المنظمات النسائية بمذكراتها ووقفاتها وأبحاثها ان تنتزع اهتمام الحكومة بأوضاع النساء الهشة فتكونت خلايا استقبال النساء ضحايا العنف بالمحاكم ومخافر الشرطة والدرك والمستشفيات، لتتكون اللجنة الاقليمية والجهوية للتكفل بالنساء والاطفال ضحايا العنف برئاسة النيابة العامة على المستوى الوطني، غير ان تطبيق إكراهات تطبيق مدونة الأسرة أبان على فراغات و إكراهات عديدة فبادرنا في اتحاد العمل النسائي للمطالبة بمراجعة جذرية شاملة لمدونة الأسرة منذ 2012 وبقي المطلب قائما إلى الآن حيث رصدنا كما رصدت المنظمات النسائية والحقوقية اختلالات تطبيق هذه المدونة سواء على مستوى اللغة او آليات التنفيذ والتطبيق أو الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية.
وماهي المجهودات التي بذلها المغرب في السنوات الأخيرة ؟
أبان تطبيق مدونة الأسرة على منطق التمييز بين الجنسين وعلي استفحال العنف بارتفاع تزويج الطفلات القاصرات وبالتحايل على حقوق النساء والأطفال مما يهدد استقرار الأسر والمجتمع بكامله، ،بحيث ليست هناك معايير لتحديد النفقة و لا ضمان لبيت سكن المحضون ولا تطبيق لمسطرة التعدد، ولا حتى مساعدة قضائية ميسرة للنساء ضحايا العنف القانوني وغيره من ألوان العنف المتعدد،، كما ان قانون 103 /13 يفتقر لآليات تطبيقه بشكل عادل ومنصف يضمن كرامة النساء .
لاشك ان خطاب صاحب الجلالة نصره الله بمناسبة عيد العرش ( الخطاب الاخير) فسح المجال لإعادة النظر فى بنود مدونة الأسرة وحماية المرأة، اكيد هو جزء من حماية الأسرة ؟ فماهي الاشكاليات التي تطرح الان هذه البنود؟
إذن بقي مطلب المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة قائما وبتزكية من أعلى سلطة في البلاد كالعادة ، حيث أقر جلالة الملك من جديد في خطابه لعيد العرش الأخير، وكانت الدعوة موجهة لذوي الأمر اعتبارا لأهمية قانون الأسرة وتماشيا مع المنطق الحقوقي الذي اختارته بلادنا، بالتوقيع على اتفاقية سيداو واتفاقية حقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات ذات الصلة بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية و البيئية والسياسية، وبدستور 2011 .
إن استقرار المجتمع هو أصلا من استقرار الأسرة، وأي حيف يطال فردا منها يسبب خللا واي عنف في حق النساء والأمهات يصل ضرره وآثاره لتخلق ظواهر اجتماعية مرضية، وسأوضح ذلك بالأرقام، حيث كل أم معنفة في حضنها طفلين أوأكثر ليصبح الرقم مرتفعا، كما ستلاحظون في هذا التقرير السنوي، الذي نعرضه مع كل حملة على مستوى مراكز النجدة لمساعدة النساء والأطفال ضحايا العنف باتحاد العمل النسائي والتقرير الشامل الذي نتقدم به وطنيا لنكشف على معاناة النساء المرتفقات بمراكز النجدة ولنتقدم باقتراحاتنا وندق ناقوس الخطر، لأن أي ضرر يلحق بالنساء نتيجة قانون عاجز عن الحماية والوقاية والتكفل وعدم الإفلات من العقاب وقانون عاجز عن حماية كرامة النساء يكرس التمييز يساهم في اختلالات في التنمية و يعيق المساهمة الفعلية لنصف المجتمع /النساء في بناء الوطن.
دوركم كفاعلين حقوقين بلغة الأرقام عدد الحالات المتواجدة على المركز ؟ وطبيعة العنف الذي يرصدها المركز ؟ كذلك الخدمات التي يوفرها ؟
وإننا في اتحاد العمل النسائي نثمن المجهودات التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة، خاصة بعد بروتوكول مراكش، كما نعتبر الإحصائيات التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط مصدرا يجب اعتماده دون إغفال للتقارير السنوية التي تصدرها جمعيات نسائية وحقوقية في هذا الشأن لأنها مرآة حقيقية لعمل يومي يستنزف موارد مادية وبشرية متخصصة متطوعة يهمها استقرار البلد، كما نطالب بتكوين حقوقي لكل المتدخلين والمتدخلات في شأن النساء ضحايا العنف وبرصد إمكانيات مادية لمعضلة العجز المفقر لهؤلاء النساء و للمجتمع المدني المآزر لهن لتقليص تكلفة هذا العنف الفضيع والمرتفع الثمن بخلق آليات الحماية والوقاية والتكفل ،،بوضع مراكز إيواء مجهزة بموارد بشرية متخصصة،،، على الصعيد الوطني وبتجنيد وسائل الإعلام لتغيير العقليات و بنشر المساواة بالفضاءات التربوية، ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها، و بمراجعة شاملة لمدونة الأسرة وللقانون الجنائي لتحقيق عدالة جنائية للنساء، باستحضار النموذج التنموي والحماية الاجتماعية لضمان الكرامة والعدالة والامن للنساء.