اخبار

ستة أسئلة لعبد اللطيف النيلة، الحائز على جائزة كتارا للرواية العربية-فئة رواية الفتيان برسم دورة 2022

أعلنت المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) بالدوحة، مؤخرا، عن أسماء الفائزين بجائزة (كتارا ) للرواية العربية في دورتها الثامنة برسم 2022، ومن ضمنهم الكاتب والقاص المغربي عبد اللطيف النيلة، أستاذ مادة الفلسفة بسلك التعليم الثانوي التأهيلي بمراكش، الذي فاز، رفقة كاتبين آخرين، في فئة رواية الفتيان عن روايته “الرحلة العجيبة إلى الحمراء”.

في هذا الحوار، يجيب النيلة عن ستة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء عن هذا التتويج الجديد، وعن مضمون الرواية، وخصوصيات الكتابة للفتيان، وواقعها وسبل دعمها بالمغرب.

1- فازت روايتك “الرحلة العجيبة إلى الحمراء” بجائزة (كتارا) في دورتها الثامنة في فئة رواية الفتيان، ماذا كان شعورك وأنت تتلقى نبأ التتويج؟

حين تلقيت خبر تتويج روايتي رقصت سعادة حتى أني بكيت من فرط الفرح. فجائزة كتارا إحدى الجوائز الأدبية الرفيعة في العالم العربي، وحيازتها تعني الاعتراف بقيمة الجهد المضني الذي بذلته في عملي، وتذليل السبيل أمامه ليحظى بالطبع والنشر والتوزيع ويجد طريقه إلى القارئ، فضلا عن تشجيعي على المضي في درب التأليف للفتيان. لقد اقتضت مني رواية “الرحلة العجيبة إلى الحمراء” الاشتغال عليها في مرحلتين: في المرحلة الأولى أنجزت نسختها الأولى في ما يقارب الثلاثين صفحة، ثم ركنتها جانبا لسنوات طويلة. ومؤخرا دفعتني جائزة كتارا إلى إيقاظها من سباتها، فعدت إلى مخطوطتها، لأكتشف أن تجربة “بطل” الرواية تقبل التطوير والإغناء لإلقاء الضوء على مختلف أبعاد شخصيته. هكذا انكببت، في المرحلة الثانية، على توسيع حبكة الرواية، مفصلا المجمل، محللا المكثف، مضاعفا جرعات التشويق والإثارة، فكانت ثمرة ذلك كله رواية في أكثر من تسعين صفحة.

2- هل يمكن أن تقربنا من أجواء هذا العمل الأدبي؟

الرواية، كما هو واضح من عنوانها، عبارة عن رحلة أو هجرة منسوجة بوقائع يمتزج فيها الواقعي بالعجائبي، يخوضها “البطل” منطلقا من بلدته إلى مدينة الحمراء (مراكش)، تحركه في ذلك روح المغامرة والاستكشاف، وتغذيه الرغبة في تحقيق الذات وتحسين ظروف العيش. يشهد “البطل”، على امتداد ثلاثين فصلا، أحداثا ومواقف تكشف عن وجوه اختلاف الحمراء عن بلدته، بفضاءاتها وناسها، وتتيح له اختبار العديد من التجارب الجديدة، مثل تجربة الوقوع ضحية النصب والاحتيال، وتجربة البحث عن العمل، وتجربة ممارسة الشغل، وتجربة المشاركة في البحث العلمي، وتجربة الاعتقال. وخلال ذلك، ترصد الرواية أفعال “البطل” وردود أفعاله، بأسلوب يعتمد التصوير لا التقرير، فيتعرف القارئ على ملامح شخصيته تدريجيا، بعمقها الوجداني والعقلي والقيمي، ويخوض معه صراعه من أجل إثبات الذات ونيل الإنصاف في مواجهة عقبات العالم الخارجي وقوى الشر.

3- تكتنف الكتابة للفتيان بعض الصعوبات بالنظر لخصوصية الفئة التي تتوجه لها، ما هي في نظرك أبرز الكفاءات التي يتعين توفرها في من يكتب هذا الجنس الأدبي؟

الكتابة الأدبية عموما محفوفة بالصعوبات وتشترط مجموعة من الاستعدادات والمهارات التي تتطلب تكوينا متواصلا وتدريبا شاقا، غير أن الكتابة للفتيان أكثر تطلبا، لأنها تقتضي من الكاتب أن يتماهى مع فئة اليافعين، فيكون تصورا ذهنيا عن خصائصها الشخصية وحاجياتها، ويرهف الإحساس لانتظاراتها. وعلى ضوء تجربتي الخاصة في الكتابة لهذه الفئة، حيث أنجزت مجموعة قصصية ورواية، يمكن أن أحدد الكفاءات المفترض توفرها لدى الكاتب في أربع كفاءات.

أولا، القدرة على تطويع اللغة لإنتاج نص في متناول الفتيان، وذلك باستعمال أسلوب بسيط، خال من التعقيد والغموض، إلا أنه في الآن نفسه يتمتع بالجمال، من حيث الإيجاز وتنويع صيغ التعبير واستثمار التقنيات السردية المختلفة من حكي ووصف وحوار ومونولوج واسترجاع…

ثانيا، القدرة على وضع حبكة محكمة، تتضافر فيها الأحداث والشخصيات في توازن محسوب دقيق، داخل فضاءات مكانية وزمانية، وتتوالى عبر آلية التشويق، على نحو يشد انتباه القارئ ويستثير لديه الرغبة في استكمال القراءة، دون ملل، ليبلغ ذروة الأحداث، وقد تسلل إلى وجدانه وفكره أثر كلي يمنح معنى عاما للمقروء.

ثالثا، تفادي المباشرة والخطابية التي تحول النص إلى مجرد أدلوجة أو كومة من الوصايا والمواعظ التربوية، والحرص بدل ذلك على نهج مسلك فني يكتفي ببسط الوقائع وتصوير الشخصيات وهي تفعل أو ترد الفعل، والتوسل بأسلوب يعتمد الإيحاء والتلميح والإشارة مراهنا على حس القارئ وحدسه وذكائه.

رابعا، انتقاء موضوع ملائم لفئة الفتيان، عقليا ووجدانيا وسلوكيا، وهو ما يقتضي خبرة ومعرفة بشخصية اليافع وبوسطه الثقافي. فحرية الكاتب في الخوض في موضوعات شائكة وحساسة ومثيرة للجدل تخضع للكبح عندما يكتب للفتيان، ويستحسن عوض ذلك أن يتناول موضوعات تحيل على قيم إنسانية مشتركة، مثل الصدق والشجاعة والمحبة والتضامن والعدل والإيمان بالحوار والاختلاف والتعايش.

4- تشتغلون أستاذا للتعليم الثانوي التأهيلي، هل أسعفكم الاحتكاك اليومي بالتلاميذ في إنجاز العمل المتوج؟ كيف ذلك؟

اشتغالي بتدريس مادة الفلسفة لتلاميذ الثانوي التأهيلي يشكل أحد أهم مصادر معرفتي وخبرتي. ذلك أن الفلسفة تقف في ملتقى طرق المعارف والتصورات التي أنتجها العقل البشري، بحيث إن إنجاز حصة في مادة الفلسفة يستدعي اطلاعا واسعا ودؤوبا على معطيات نظرية في الفلسفة والعلوم بشقيها الإنساني والطبيعي، علاوة على التمثلات الشائعة في المجتمع. كما أن الاحتكاك اليومي بالتلاميذ يشرع في وجه المدرس مجالا رحيبا لفهم شخصياتهم في تعدد أبعادها، سواء على المستوى النفسي أو العقلي أو السلوكي. وإذا كنت قد أمضيت ما يقارب الثلاثة عقود في التدريس، فإنه يترتب عن ذلك امتلاكي بالضرورة لخبرة ومعرفة حول فئة الفتيان، ولا بد أن هذه الخبرة وهذه المعرفة تسعفانني في الكتابة، وتنبثان كدم في شرايين عملي الأدبي التخييلي، بشكل واع أو غير واع. ولعلي أكون قد استوحيت موضوعات روايتي من عالم تلاميذي وما يدور بيني وبينهم من حوارات خلال إنجاز الدرس، فمثلا حين أمحور روايتي حول موضوع الهجرة، فإني لم أفعل سوى أن التقطت حلما يراود خيال عدد من التلاميذ الذين يشغلهم مشكل انسداد الآفاق في المستقبل. وحين أكرس حيزا من روايتي للتحفيز بصورة إيحائية على القراءة والانخراط في البحث العلمي، فإني أضع نصب عيني مشكل عزوف الفتيان عن المطالعة وانحسار حس البحث والاستكشاف لديهم. ولعلي أكون أيضا قد استلهمت من استجابات التلاميذ السلوكية تصوري لشخصية “بطل” روايتي في إقدامها وطموحها وإخفاقها ومقاومتها وانتصارها.

5 – الحديث عن روايات موجهة للفتيان في عصر التكنولوجيا والهواتف الذكية يطرح من دون شك بعض الصعوبات على مستوى النشر والترويج. كيف تقرأ الإقبال على هذا النوع من الأدب اليوم؟

ينبغي قياس الإقبال على قراءة الروايات الموجهة للفتيان في إطار مسألة القراءة بوجه عام، وقراءة الأدب بوجه خاص. ولو اعتمدنا هذا المعيار لصدمتنا نتائج الدراسات التي أجريت حول معدل القراءة في العالم العربي، ومنها دراسة حديثة انتهت إلى أن معدل القراءة لدى الفرد العربي يبلغ 6 دقائق في السنة، مقابل 36 ساعة بالنسبة للفرد الغربي.

وإذا وضعنا بعين الاعتبار الإغراء العارم الذي أصبح العالم الافتراضي يمارسه على شريحة الفتيان من خلال ما يقدمه من مواد مرئية ومسموعة تتسم بالإثارة، فإن الأمر يدعو للقلق فعلا على وضعية قراءة الكتاب كيفما كان صنفه. لذلك أصبح من الضروري إعادة الاعتبار للكتاب كحامل للمعرفة ومنتج لقيم جمالية وأخلاقية، عبر التفكير في تدابير شاملة وفعالة، تساهم في تفعيلها مختلف مؤسسات المجتمع، من أسرة ومدرسة وجمعيات. ولئن كنا نعيش في عصر الصورة، فإنه صار من اللازم تسخير الوسائط البصرية والسمعية للترويج للكتاب والتحفيز على الإقبال على قراءته وتحويل محتواه إلى مادة قابلة للمشاهدة، كأن يجري تشخيص الرواية في فيلم حي أو كارتوني.

6- كيف تقرؤون وتيرة الإبداع في مجال أدب الفتيان بالمغرب، وكيف يمكن في نظركم النهوض به لإيصاله إلى الفئة المستهدفة سيما في المدارس؟

تلزمني فضيلة الصدق أن أعترف بأن اهتمامي ينصرف أساسا إلى القصة القصيرة والرواية الموجهة للكبار، بينما أدب الفتيان يشكل نزوة تستبد بي على فترات متباعدة، فيثور الفضول في نفسي لقراءة أعمال موجهة للفتيان (مثل سلسلة هاري بوتر لراولينغ)، وتتولد لدي الرغبة في إبداع ما يضاهيها. لذلك سأجيب عن السؤال استنادا إلى “ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب” للباحث جميل حمداوي، وهي تغطي حيزا زمنيا يمتد من 1936 إلى 2010، ومن خلال إلقاء نظرة على الفصل المخصص لروايات الأطفال (من المرجح أنها تشمل روايات الفتيان)، يتبين أن عدد الأعمال لا يتخطى رقم 30 عملا على امتداد 76 سنة، في لا يتجاوز عدد كتاب هذا الصنف الأدبي أصابع اليدين، إضافة إلى أن أكثر من نصف الأعمال (19 رواية) من توقيع الكاتب الرائد المعروف أحمد عبد السلام البقالي.

وبالتالي فإن أدب الفتيان في المغرب لا يرقى من حيث كم الإنتاج إلى المستوى المأمول الذي يستجيب لاحتياجات الفئة المستهدفة، ولا زال في حاجة إلى رفده بمزيد من ثمار قرائح الكت اب. ورغم أن الكتابة في صنف أدبي معين تبقى بالأساس مسألة ذاتية ترجع إلى استعدادات الكاتب وميوله، فإنه بالوسع خلق شروط تحفز الأدباء على الإبداع في أدب الفتيان، مثل تيسير نشر الأعمال وتوزيعها، وتوفير تغطية إعلامية لها، وضمان مستحقات الكاتب، وتخصيص جوائز لاختيار أفضل الأعمال. أما مد الجسور بين هذا الأدب وبين المتلقي المستهدف، لا سيما في المدارس، فيستلزم من جهة إدماج روايات الفتيان، جزئيا أو كليا، ضمن البرامج والمقررات الدراسية، واستنبات تقليد القراءة داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني من جهة أخرى.

(أجرى الحديث: عبد اللطيف أبي القاسم)

المصدر .. ومع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى