اخبار التعاونيات

دار الدباغة بتارودانت.. مهد الصناعات الجلدية التقليدية

منذ عدة قرون، امتهن الرودانيون حرفة تقليدية، تشتهر بها مدينة تارودانت، وكانت لهم مصدرا لكسب لقمة العيش، ومحاولة لمنع اندثار إرث الأجداد، والتي تعد من أكثر الحرف التقليدية قدما بالمملكة، وهي حرفة دباغة الجلود.

ويشهد التاريخ لمدينة تارودانت بشهرتها في مجال الصناعة الجلدية المعتمدة بالأساس على جلود ماشية المدينة وضواحيها، وعلى بعض المواد الأولية كالملح والشبة، كما يستعين الدباغون ببعض المواد النباتية لتلوين الجلود، كأوراق الجوز وأركان وقشور الرمان.

وأنت تطرق باب “دار الدباغ” تستقبلك رائحة الجلود الممزوجة بالمواد التقليدية التي تستعمل في دباغتها متدفقة من الدكاكين التي خصصت لعرض المنتوجات الجلدية المختلفة، منها على سبيل المثال الأحذية التقليدية ” الصندالة والبلغة”، الحزام الجلدي “السمطة”، بالإضافة إلى حقائب وأكسسوارات فخمة تثير إعجاب السياح الأجانب.

وتمثل “دار الدباغ” فضاء شاسعا تتوسطه أحواض “قصريات” تهيئ فيها الجلود بالماء والملح والجير، وفضلات الحمام و النخالة، بالإضافة إلى قشور الرمان والأركان.

ويعمل الدباغ على تحضير الجلود بدءا من مرحلة تنقيتها من الصوف إلى صباغتها، قبل أن تعرض الجلود تحت أشعة الشمس، و بعدها تخضع للتجذيب بواسطة آلة حادة تسمى “المشطية”، ثم يتم بعد ذلك عرضها على الخرازة الذين يعملون على إعادة تصنيعها.

ووسط أحد تلك الأحواض، ينهمك محمد مساعدين الذي اختار امتهان حرفة الدباغة التقليدية، في عمله في بعدما ورث هذه الحرفة عن أجداده.

وفي حديث لقناة M24 التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، يقول محمد، إن دار الدباغ بتارودانت تعد قبلة سياحية، تحافظ على الدباغة التقليدية التي تعتبر أساس كل المنتجات الجلدية، مضيفا أنه على الرغم من الظروف،”فإننا نجتهد من أجل حماية حرفة الدباغة من الاندثار، خصوصا أن الحرفيين يورثون الحرفة إلى أبنائهم من جيل بعد جيل”.

وعن مراحل الدباغة، قال مساعدين، ينتقي الدباغون الجلود، وبعد تنقيتها يضعونها في الحوض الدائري لتتشبع بألوان الصباغة، بعدما تتم تنقيتها وغسلها جيدا باستعمال مواد كالجير وفضلات الحمام، ثم يقومون برميها داخل “الجفنة ليتم دبغها”.

وتابع موضحا، الألوان التي تصطبغ بها الجلود، تستخرج بالأساس من قشور الرمان والزعفران ومواد طبيعية أخرى.

إلى وقت قريب كانت دار الدباغ تضم حوالي 100 حرفي، لكنها اليوم يقول علال يوسف، وهو أحد قدماء الدباغين حيث قضى أزيد من 35 سنة في الحرفة، في تصريح مماثل، إن الجميع هجر المكان حتى أصبحنا حوالي 40 شخصا، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد المستعملة في دباغة الجلود وعدم إقبال الأسواق المحلية والوطنية على الصناعات التقليدية المرتبطة بالجلد، ناهيك عن غياب دعم مادي مباشر يساعدهم على توفير لقمة العيش.

من جانبه أوضح محمد السرتي، أستاذ وباحث في تاريخ تارودانت، أن الدباغة بالمدينة من الحرف التقليدية التي عرفها سكان تارودانت قديما، فقد ذ كرت دار الدباغة في وثائق الأوقاف عام 1022هـ/1613م مستندة على معصرة يحيى والطالب تحت فندق الديوان غرب جنان بن يرة.

وأكد الباحث، على أن هذه الدار المعروفة اليوم عند كبار السن، هي التي تردد ذكرها في وثائق المدينة خلال النصف الأول من القرن العشرين بساحة أساراك أوراغ، والتي كان بابها الجنوبي يقع على مقربة من المدخل الغربي للسوق الكبير، وتوجد بالقرب منه بئرا مشهورة معروفة بـ (حاسي أساراك).

وأشار إلى أن دار الدباغ كانت ب”أساراك” حوانيت حبسية، تحتضن أزيد من 70 دباغا محترفا منتصف القرن 20م، يعملون على معالجة جلود الماشية بطرق تقليدية، وكان بالقرب منها سوق الجلد، وسوق الخرازين الذي ت نشط فيه صناعة السروج، والنعال، والأحزمة، والحقائب، والد لاء وغيرها، مضيفا أن “دار الدباغ” هذه قد هدمت هي والحوانيت المستندة إليها بعد الاستقلال، وتحولت في فترة لاحقة إلى مكانها الحالي خارج باب تارغونت”.

وقد شهدت دار الدباغ في الأونة الأخيرة عملية إعادة ترميم بغلاف مالي قدره حوالي 6.50 مليون درهم، ساهمت فيه كل من الجماعة الترابية لتارودانت، ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، حيث شملت العملية ترميم مرافق العمل داخل فضاء “دار الدباغة”، بما في ذلك إعادة بناء صهاريج المياه، وصهاريج دباغة الجلود، وتجديد واجهات محلات الحرفيين.

بالإضافة إلى الربط بالشبكة الكهربائية، وتجديد قنوات الربط بالماء، وتبليط الممرات، وذلك بما يضفي على هذا الفضاء المهني حلة تليق بإستقبال مختلف أصناف الوافدين عليه، لاسيما وأن”دار الدباغة” بتارودانت تشكل واحدة من أهم نقاط الزيارات المقترحة على أفواج السياح الوافدين على جهة سوس ماسة، أو العابرين لها، من مختلف الجنسيات.

وتعتبر دار الدباغة بتارودانت، واحدة من ثلاث فضاءات حرفية على الصعيد الوطني، إلى جانب وحدتي كل من مراكش وفاس، ما زالت مهنة الدباغة تمارس فيها وفق التقاليد والطرق المهنية المتوارثة بين الصناع أبا عن جد، بما في ذلك استعمال أدوات العمل التقليدية، واستخدام مواد الدباغة الطبيعية.

ومع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى