ثقافة

عقارب الزمن …

عقارب الزمن ...

عقارب الزمن..

عقارب الساعة تدق بشكل متزن .. لكنها تعطيني القلق بتلك الدقات ، أشعر أنها تدق وتتحرك بداخل رأسي ، مرت الساعة الأولى والثانية وقلقي يزداد ، اتحامل كي لا أُحِدث فوضى بداخل غرفتي الممتلئة بدخان السجائر بعد أن زارني أحد أصدقائي .. لقد حطمته أوضاع البلاد وواقع الحياة ، أخبرني بأنه يقاوم الحياة بدخان السجائر .. انه يدخنُ بشرهة كأنها وصفةٌ طبية.

قلتُ له : أهكذا تكافح الحياة ؟!

-نعم هي حيلتي فقط.

-اللعنة إذن !!

بدأ صبري ينفد .. وبعد لحظاتٍ أخذت كأس الشاي بعد أن شربه صدقي ثم رميت الساعة المزعجة ، فانكسر الكأس مع زجاج الساعة .. لكن عقرب الثوانِ لم يسكت ، نهضت مسرعًا واخذت الساعة من الحائط وقمت بكسرها ورميتها في سلة القمامة في زاوية الغرفة ، انها غرفتي الصغيرة والمظلمة .. انها مظلمة كروحي .. كبلادي ايضًا ، أما وطني فهو مظلمٌ وظالم.
ملابسي معلقة على حائط الغرفة وتحتاج إلى غسيل ، وجيبي فارغ لا استطيع الذهاب بها إلى المغسلة .. فكرتُ بغسلها في غرفتي لكن مشروع الماء منقطع ، رفاق السوء الذين يسكنون معي مسافرون في القرية لم يضعوا النقود لشراء وائت ماء ..
سأنتظرهم حتى عودتهم كي نفترق قيمة ماء لتعبئة الخزان ، كلنا بؤساء ، هذه البلاد لم تعد تُطاق ابدًا وطاردة لأهلها وقاتلةٌ للأحلام ، كان الليل قد تجاوز المنتصف .. والنوم شاردٌ عني .. ضِقتُ من الجلوس فخرجتُ اتسكع في الشارع ، الهدوء يعم المكان إلا من ضجيج الشاحنات الكبيرة التي تنقل المازوت والمواد الغذائية للمدينة ، بدأت أشعر أن الشارع يضيق بي فعُدت إلى غرفتي كي أنام ، وقبل أن يدعب النوم عيناي ، فتحتُ هاتفي لأتصفح الأخبار ، وكأي فرد يعيش في بلاد البؤس والضياع لن تصله إلا أخبار قتلٍ وبؤس وحرمان ، والناس تعزي بعضها ، حتى ونحن وحيدون في غرفنا الصغيرة لابد أن يتبعنا الحزن والبؤس إليها .. يطاردنا ويدركنا ولو كنا في بروج مشيدة “كأنه الموت” تمامًا ، يتتبعنا البؤس من خلال هوافتنا التي تأتِ لنا بآخر الأخبار .. “فلا شيء يسر كل الأخبار حزينة” وكل شيء من حولن ايضًا.
الحياة صعبة وقاسية ، والبؤس والحزن لابد أن يتتبعنا وكأنه لم يُخلق إلا من أجلنا ولنا ، نحن الذين جئنا إلى هذه الأرض بغير إرادةٍ منا ، ولا حول لنا بذلك ولاقوة.

بقلم عبدالملك الأغبري
اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى