سياسةمجتمع

نعيمة الفتحاوي.. في اللقاء التفاعلي حول الممارسات المقارنة في مجال درء العنف الممارس ضد النساء

يُعتبر العنف ضد المرأة انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان الخاصة بالمرأة، بغض النظر عن وقت حدوثه أو مكانه أو كيفيته. وهناك العديد من أشكال العنف ضد المرأة التي قد ينجم عنها العديد من العواقب الصحية السلبية على النساء وأطفالهن.

ويمكن أن يؤدي العنف ضد المرأة إلى إصابات ومشاكل خطيرة فيما يتعلق بالصحة البدنية والنفسية والجنسية والإنجابية، بما فيها حالات العدوى المنقولة جنسياً، وفيروس العَوَز المناعي البشري، وحالات الحمل غير المخطَّط لها. وفي الحالات القصوى، يمكن أن يؤدي العنف ضد المرأة إلى الوفاة.

ولازالت تطرح تحديات كبيرة وخصوصا مع بروز أشكال وأنواع جديدة للعنف الممارس ضد النساء، وذلك على الرغم من الجهود الوطنية المبذولة في هذا المجال، على مدار أكثر من عقدين.

وغالباً ما تكون آثار العنف طويلة الأمد. ويمكن أن يؤثر العنف، بجميع أشكاله، على رفاه المرأة طيلة حياتها. وهذا أمرٌ غير مقبول، ولا يمكن تجاهل مخاطر العنف التي تتعرّض لها النساء وأطفالهن.

وتعني الوقاية من العنف أو دعم الناجيات من العنف المساهمة في حماية حقوق الإنسان الخاصة بالمرأة، وتعزيز الصحة البدنية والنفسية للنساء ورفاههن طيلة حياتهن. ويساعد ذلك أيضاً على التخفيف من وطأة الضغط على الخدمات العامة الأساسية المُنهَكة بالفعل، بما فيها النظام الصحي.

جدير بالذكر أن دستور المملكة المغربية يكرس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، كما دخل القانون رقم 103.13 حيز التنفيذ في 2018، وعلاوة على ذلك، يشدد النموذج التنموي الجديد في المغرب على أهمية ضمان عدم التسامح مع جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة.

وفي هذا المجال أيضا عزز المغرب نظامه المؤسساتي والقانوني باعتماد قانون متعلق بمحاربة العنف ضد النساء سنة 2018، والذي يهدف إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف ورعايتهن، ووضعَ مجموعة من الأحكام الزجرية التي تُجَرِّم بعض الممارسات مثل الزواج القسري أو التحرش الجنسي، فضلًا عن الآليات المؤسساتية للتكفل بالنساء ضحايا العنف ومنع جميع أشكاله، وضمان الدعم والتوجيه اللازمين لولوج المصالح المتوفرة. وتم إحداث اللجان الوطنية والجهوية والمحلية وكذلك خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف.

وفي إطار تفعيل مضامين البرنامج الحكومي 2017-2021 لا سيما الإجراء المتعلق بـــ “إطلاق سياسة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء”، عملت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة على إعداد السياسة الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات في أفق 2030، وقد تم اعتمادها في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 24 يونيو 2021.

تعتمد السياسة الوطنية على الركائز الأربع المعترف بها دوليا في مجال مناهضة العنف ضد النساء، والمتعلقة بالوقاية، والحماية، والتكفل والمتابعة القضائية، وذلك لتعزيز حماية المرأة من جميع أشكال العنف القائم على أساس النوع، مع إعطاء بعد جهوي مجالي لهذه الاستراتيجية يحقق التكامل والالتقائية والنجاعة.

وبالإضافة إلى هذه الإجراءات، يتم تنظيم حملات تحسيسية سنوية لمحاربة هذه الظاهرة، وقد تم تعزيز جميع هذه التدابير من خلال إطلاق برنامج لإنشاء 65 فضاء متعدد الوظائف للنساء على المستوى الجهوي والمحلي لرعاية النساء ضحايا العنف (استقبال، استماع، سكن مؤقت، توجيه ومواكبة طبية ونفسية واجتماعية) وإطلاق استراتيجية وطنية 2020-2030 لمحاربة العنف ضد النساء.

وانسجاما مع تدابير الخطة الحكومية للمساواة “إكرام”، عملت وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية على إحداث المرصد الوطني لصورة المرأة في الإعلام الذي يعد آلية وطنية لرصد وتتبع صورة المرأة في مختلف الوسائط الإعلامية المكتوبة، السمعية، البصرية، والرقمية.

وفي إطار تعزيز البنيات الخاصة بالتكفل بالنساء ضحايا العنف، تم إحداث مؤسسات متعددة الوظائف للتكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى الجهوي والمحلي، حيث تم- الى حدود 2021- إحداث 85 بنية اجتماعية للقرب متعددة الوظائف تقدم عدة خدمات لفائدة النساء في وضعية صعبة.

وتفعيلا لمضامين قانون محاربة العنف ضد النساء ومرسومه التطبيقي، تم تنصيب “اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف” من طرف السيد رئيس الحكومة يوم 5 شتنبر 2019 وتعيين رئيستها. وتضطلع هذه اللجنة بصلاحيات هامة مسندة إليها بموجب القانون، خاصة على مستوى ضمان التواصل والتنسيق بين مختلف التدخلات لمواجهة العنف ضد النساء والمساهمة في وضع آليات لتحسين وتطوير منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف، إضافة إلى اختصاصات أخرى ذات الصلة بتقوية آليات الشراكة والتعاون مع مختلف المتدخلين وتقديم المقترحات وإعداد التقارير.

واستحضارا لأهمية مَعْيرة الخدمات التي تقدمها الفضاءات المتعددة الوظائف للنساء، وتفعيلا لمقتضيات القانون 65.15 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية،

ولتعزيز منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف، تم إعداد بروتوكول «حماية» لمواكبة النساء داخل مراكز الإيواء، بتنسيق مع المتدخلين المعنيين بالتكفل، للخدمات الأساسية الخاصة بمراكز إيواء النساء ضحايا العنف وخدمات الدعم الاجتماعي وكذا إعداد رؤية مندمجة لتنسيق تدخلات الفاعلين في مجال العنف ضد المرأة. وتم تقديمه في ماي 2021.
كما تم إعداد برنامج تكويني وطني شامل لفائدة الموارد البشرية العاملة في مجال التكفل بالنساء ضحايا العنف، “برنامج تكفل”، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان وبدعم من التعاون البلجيكي، يمتد تفعيله على مدى ثلاث سنوات، يتضمن 134 وحدة للتكوين.

لكن رغم ذلك فإن المعطيات الرسمية تفيد بإن عدد قضايا العنف الممارس في حقّ النساء على المستوى الوطني بلغ 23.879 قضية في عام 2021، أي أنّه على الرغم من الجهود المتواصلة لمواجهة العنف ضد المرأة فإنّه ما زال مقلقاً. وينتظر منا بذل المزيد من الجهود خصوصا على المستوى التنفيذي. وأنّ هذا الأمر يسائل المتدخلين في الموضوع بالمغرب ويقتضي مضاعفة الجهود بهدف تطويق كلّ الأسباب المؤدية إلى هذا العنف، وفي الوقت نفسه مواجهة المتورّطين فيه بكلّ صرامة وبما يلزم من جزاءات قانونية، كما يستدعي من جهة أخرى تكثيف الجهد لتوفير أنجع السبل للتكفل بالضحايا.
وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على بدء العمل بأوّل قانون في تاريخ المغرب لمكافحة العنف ضد المرأة (القانون رقم 103‪ -‬13) في 12 شتنبر 2018، فإنّ تطبيقه على أرض الواقع ما زال يواجه صعوبات مختلفة.‬‬‬‬‬ ‬‬

وبحسب دراسة لمنظمة حقوقية، فإنّ النساء في المغرب ما زلنَ يواجهنَ عوائق تحول دون لجوئهنّ إلى السلطات المكلّفة بإنفاذ القانون للتبليغ عن حالات العنف التي يتعرّضنَ لها، ويتعلق ذلك أساساً بالحقّ في الوصول إلى العدالة.

وهذه بعض توصيات الجمعيات المشتغلة في هذا المجال :

مطالبة الحكومة المغربية ببذل المزيد من الجهود لمحاربة هذه الظاهر ة وذلك عبر:

  • وضع آليات للتتبع ومراقبة عمل خلايا التكفل وتعزيزها؛

  • مضاعفة الجهود من أجل نشر ثقافة نبذ العنف واحترام النساء؛

  • شمل النساء والفتيات في وضعية إعاقة بالاستراتيجيات الوطنية لمكافحة العنف، بما في ذلك العنف الأسري، وتمكينهن من الاستفادة من الإجراءات العامة المصممة لمكافحة العنف؛

  • إيلاء العناية في الاستراتيجيات الوطنية لمنع العنف بما في ذلك العنف الأسري، للأشخاص ذوي الإعاقة، وإلى أنواع محددة من الاعتداء ولظروف الاعتداء المتعلقة بالإعاقة، كالاعتداءات المرتكبة من قبل الممرضين، أو الاعتداء الناجم عن الإهمال، والإخفاء، أو التخلّي والترك، والاحتجاز في المنزل، واستخدام العقاقير وطرق التخدير للسيطرة على تصرفات الأشخاص؛

  • إحداث مؤسسات لإيواء النساء ضحايا العنف بالعدد الكافي؛

  • العمل على تعزيز الدعم بالنسبة للجمعيات النسائية ومراكز الاستماع والإرشاد الأسري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى